بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , البر الكريم , الرؤوف الرحيم , والصلاة والسلام على رسوله الكريم حبيب رب العالمين ,سيدنا محمد ؛ الهادي إلى صراط مستقيم وعلى سائر النبيين وآل كلٍّ وسائر الصالحين , وبعد :
عاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قومه أن يأسروا أنفسهم للتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد دون تفكر منهم بمدى صلاحها أو فسادها ودعاهم إلى تحرير عقولهم من أسر هذه التقاليد ونزل في ذلك من الله تعالى تسفيه لآبائهم وأجدادهم الذين حبسوا أنفسهم في أغلال هذه التقاليد.
فما هو معنى التقاليد؟
والجواب :
أن التقاليد تعني (( مجموعة العادات التي يرثها الآباء عن الأجداد أو التي تسري بمجرد عامل الاحتكاك في بيئة من البيئات أو بلدة من البلدان دون أي نظر إلى فائدة هذه العادات أو أضرارها((.
فهذه العادات تسمى ) تقاليد( سواء كانت هي بحد ذاتها مفيدة أو لا. ذلك لان الانصياع لها لم يكن لما فيها من خير , على فرض أن فيها ذلك , وإنما لان المجتمع من حولهم منصاع لها , أو لان الآباء والأجداد كانوا متمسكين بها. ومن ثم فان عادة من العادات , قد تأخذ اسم التقليد في إحدى البلاد أو المجتمعات , بينما تأخذ تلك العادة نفسها طابع المبدأ الفكري الصادر عن القناعة العقلية في بلدة أخرى..وذلك تبعا للعامل الذي يدفع إلى الانصياع لها والتمسك بها .
إذا عرفنا هذا , فاعلم أن الإسلام جاء حربا على التقاليد وتحذيرا من الدخول في أسرها .
يتبين لك ذلك من الموقف الذي اتخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تلك التقاليد التي كان المشركون يعتزون بها لأنها ميراث من الآباء والأجداد ومن الآيات القرآنية التي نزلت ردعا عن السيرالأعمى وراء ما كان عليه الآباء والأجداد . وإنما علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن مبنى هذا الدين – بما فيه من عقائد وأحكام – إنما هو على العقل والمنطق , وان الهدف من وراء الدعوة إلى التمسك بذلك كله إنما هو مصلحة الناس العاجلة والآجلة ولذا كان من أهم شرائط صحة الإيمان بالله وما يتبعه من سائر الأمورالاعتقادية أن يقوم على أساس اليقين العقلي والفكر الحر دون أن يكون الدافع إليه عزما أو تقليدا . وقد اتفق جلّ علماء العقيدة على أن المسلم الذي يعتنق الإسلام تقليدا للبيئة أو الآباء والأجداد , بحيث لو تحولت البيئة التي يقلدها إلى دين آخرلتحول معها , لا يكون إسلامه مقبولا عند الله وفي ذلك يقول صاحب جوهرة التوحيد :
فكل من قلد في التوحيد.....إيمانه لم يخل من ترديد
فان قلت : فماذا نسمي أحكام الإسلام المتعلقة بالأخلاق والعبادات والاجتماع , كحكم الحجاب للمرأة وحرمة اختلاطها وخلوتها مع الرجل , وكحرمة الربا والميسر , ووجوب الحجوالصوم والزكاة؟.
فالجواب :إن هذه الأحكام كلها تدخل تحت اسم المبادىء ولا يجوز تسميتها تقاليد
بحال من الأحوال. والمبدأ : السلوك يلتزمه الإنسان اقتناعا منه بما فيه من خير وفائدة له وللمجتمع . وما شرع الله شيئا من الأحكام التي ألزم بها إلا نظرا إلى ما في كل منها من الخير والمصلحة العائدين إما إلى الفرد أو المجتمع. ولا يخدش هذه الحقيقة الثابتة أن يكون في الناس من لا يعلم بعض هذه الفوائد أو المصالح. ولذلك فان الشريعة الإسلامية عندما أقرت بعض التقاليد الموروثة لدى العرب , لما فيها من خير ومصلحة تعودان إلى الأمة أفرادا أو جماعة , ألغي اسم التقاليد منها منذ ذلك الحين , وصنفت تحت اسم المبادىء والقيم , ذلك لان الإسلام لم يثبتها ويدع إليها تقليدا لما كان عليه الآباء والأجداد , إنما يقينا بما فيها من فائدة للناس . ومن هنا يتبين لك مدى الخطأ الذي يقع فيه من يطلقون كلمة ( التقاليد الإسلامية ) على مختلف ما يتضمنه الإسلام من العبادات والأحكام التشريعية المختلفة والواقع أن إطلاق هذا الشعار على المبادىء والأحكام الإسلامية , ليس في مصدره خطيئة عفوية غير مقصودة وإنما حلقة في سلسلة حرب الإسلام بالشعارات الباطلة والمدسوسة , فالغرض الأول من ترويج كلمة ( التقاليد الإسلامية ( هو أن يسدل فوق معظم المبادىء والأحكام الإسلامية شعار ( التقاليد ) حتى إذا مر على ذلك زمن , وارتبط هذا الاسم في أذهان الناس بأحكام الإسلام ومبادئه ونسوا أنها لم تشرع إلا بناء على ما يقتضيه المنطق والعقل السليم أصبح من السهل على أعداء الإسلام أن يحاربوه من خلال هذه التسمية وهي النقطة التي تنفذ إليها سمومهم وحرابهم.
إذ لا ريب أن المسلمين إذا استفاقوا , ليجدوا معظم المبادىء والأحكام الإسلامية المختلفة , قد صبغت باسم التقاليد فان من الطبيعي أن ينهض فيهم من يدعو إلى نبذ التقاليد والخروج عن أسرها , خصوصا في هذا العصر الذي أصبحت السيادة فيه – ولو من حيث الظاهر – لحرية الرأي والفكر . ولا شك أنها دعوة منطقية سليمة لا تجد عاقلا يستطيع أن يناهضها .
وبذلك تصبح الأحكام والشرائع الإسلامية ضحيّة هذه التسميّة الزائفة. انتهى كلامه . " مع تصرف يسير في السطر الأول " ((فقه السيرة النبوية للعلامة سعيد رمضان البوطي))
والله تعالى اعلم
الحمد لله رب العالمين