السياحـة الفكريــــــــــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد له وبعد :

استخلف الله تعالى على الأرض بني آدم , وكرّمهم , بأن منحهم العقل , الذي يتم به التمييز بين الحق والباطل , وجعله سبحانه مناط التكليف , بالنسبة للعقيدة والشريعة , ومما زاد العقل أهمية أن حثنا الله تعالى على إعماله والاستعانة به وجعله أداة لسلوك طريق الإيمان بالله تعالى شأنه وتعاظم سلطانه.
وبالمقابل جعل الله تعالى للعقل منافذ ليتأملها ويتفكر بها ويعش في وسطها يتغذى عليها بل ويستمتع بها ويسوح في ملكوتها.

أمّا واقع هذا العقل وسط المسلمين...فبائس..!

حيث اعتاد المسلمون منذ أجيال متتابعة على التقليد ونبذ التفكير وإعمال العقل, مما
ساهم في كثير من الأحيان إلى تأخرهم وأورث الويلات لاهماهم طريق الوصول إلى الإيمان بالله تعالى
فأصبحت العبادات عادات مع أن القاعدة تقول : (( مبنى العبادة على خلاف العادة ))
فالمشكلة توضحت والسبيل بان..وما علينا إلا أن نسلكه بأدواته..لكي نصل إلى الإيمان بالله تعالى حقيقة واقتناعا لا تقليدا يورث العمى...
ولا بد أن نعرف حقيقة الإيمان به تعالى : فقد دعا الإسلام إلى الإيمان باله واحد لا شريك له , قديم أبدي خالق السموات والأرض وهو على كل شيء قدير.
وطلب منه – كطريق للوصول إلى الإيمان - أن يفكر في نفسه وما منح من استعدادات وقوى , قال تعالى : " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "
وطلب أيضا منه أن يفكر في الكون من حوله ويتحسس ما فيه من تنظيم وإبداع وإحكام وإتقان وبدائع وغرائب وعجائب..قال تعالى " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون "
كما طلب منه أيضا أن يستنتج من كل هذا الإبداع انه لا بد لهذا الكون من مبدع والمبدع يجب أن يكون واحدا قديرا سميعا بصيرا عليما خبيرا.....وهذا هو الله تعالى إذ يستحيل أن يكون هذا الإبداع مصادفة..أو تيها..
فهذا الكون والنظام وما فيه من إبداع هو الطبيعة ومحال أن توجد الطبيعة نفسها...

سَلْ الواحةَ الخضراءَ والماءَ جاريا وهذي الصحاري والجبال الرَّواسيا
سَلْ الرَّوضَ مُزْدانا سَلْ الزهر والندى والليل والإصباح والطير شاديًا
سل الأنسام والأرض والسما سل كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا
ولو جنَّ هذا الليل وامتد سرمدا فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا

وأحببت ذكر قصة تدور حول ما تكلمنا عليه :
أراد الدهريون أن يناظروا سيدنا أبا حنيفة النعمان – رضي الله عنه – فاتفقوا على موعد فأتى الدهريون على الموعد أما أبا حنيفة تأخر فاستبشروا وبدؤوا يضحكون ويتغامزون ويظنون الظنون...وبعد فترة وجيزة أتى سيدنا أبا حنيفة – رضي الله عنه – فاستفسروا عن سبب غيابه بضحكة خفية...فبدأ يقص عليهم قصته :
أردت المجيء على الموعد ولكن اعترضني نهر وكان لا بد من أن أعبره كي أصل ففجأة ومصادفة نشر الشجر من حوله وبدأ يترتب وينتظم كقارب فركبت به وأتيتكم.
فتعجبوا من قوله واستغربوا وقالوا كيف ذاك , لا يمكن أن يصدقه عاقل.!
فقال : إذن كيف تستنكرون أن يكون لهذا الكون إلها ينظمه ويرتبه بل ويسيره..
وقس على ذلك في الإبل والسماء والجبال والأرض ..و..و...
لا بد من امتلاك وقت للسياحة الفكرية – أقصد التأمل والتفكر- في وسط الانشغالات الكثيرة في هموم الدنيا وملذاتها وزخرفها
لان لهذه السياحة نتائج ربما – بل أكاد أجزم أنها - توصل للإيمان بالله...

ولا شك أن لذلك آثارا تبني للعالم حضارة حقيقية تعتمد على إيمان بالله وتحتفظ بجاني واقعية الإنسان وهي المادة التي تكون في ذلك وسيلة للوصول إلى إتقان الوظيفة التي استخلفنا الله تعالى من أجلها ألا وهي عبادته والذل له .

والله تعالى اعلم واحكم وصلى الله على رسول الله والحمد لله رب العالمين

جــــــــــــــزاك اللــــه خيــــر...